جديد الصور لعاصمة الارز ايفران
عنوان لعشاق السكينة والطبيعة والاستكشاف
شلالات وبحيرات، غابات ووديان، تلال وسهول... ثلوج في الشتاء، زهور في الربيع، اعتدال مناخي في الصيف، هدوء في الخريف...
هذه هي مدينة ايفران، أشهر منتجع سياحي لعشاق السكينة والطبيعة، في عمق جبال الأطلس المتوسط.
سماها البعض بالجوهرة، وأطلق عليها البعض الآخر لقب «سويسرا المغرب»، نظرا لمواصفاتها ومؤهلاتها السياحية.
تغنى بها الشعراء والمبدعون عبر الأزمان والأجيال، ومن بينهم المغني المغربي الراحل ابراهيم العلمي، الذي أنشد أغنيته الشائعة «ما أحلى إيفران وما أحلى جماله». وظلت الأغنية حية بعد موته، على السنة الناس حتى الآن، رغم مرور أكثر من أربعة عقود على تسجيلها، يتذكرونها فيستحضرون في بالهم، معالم وتضاريس هذه المدينة.
* اسم المدينة
* «ايفران» كلمة تعني الكهوف، ولا شك أن التسمية مستوحاة من المغارات المنتشرة حول محيطها الطبيعي، وفي فترة من الفترات التاريخية الموغلة في القدم، كان يطلق عليها لقب «اورتي» باللهجة المحلية، أي بستان أو حديقة بالعربية، وهي بالفعل كذلك إذ تظللها الأشجار والنباتات الخضراء على مدار الايام، وتسكن في رحابها أنواع من الطيور النادرة.
* هندسة مميزة
* مدينة ذات طابع خاص، لا تشبه في هندستها ومعمارها بقية المدن المغربية الأخرى.
وكل من قادته قدماه إليها يخيل إليه لأول وهلة، انها بلدة اقتطعت من أوروبا، وزرعت هنا وسط جبال الأطلس المتوسط، بقرميدها الأحمر، وشوارعها الشاسعة، وساحاتها الفسيحة، وبيئتها الفيحاء، واحترامها التام لخصوصيات زوارها من المواطنين والسياح الذين يقبلون عليها شتاء للتزلج، وربيعا للتنزه، وصيفا للاستجمام والتخييم في ربوعها، وخريفا للتمتع بالهدوء الذي لا يكسره سوى تساقط الأوراق الصفراء المذهبة على جذوع الأشجار.
أُكتُشف موقع المدينة من طرف «اريك لابون»، الكاتب العام (وكيل) للحماية الفرنسية بالمغرب سنة 1928، وقد اهتمت السلطات الاستعمارية آنذاك بالمكان، واعتبرته، بـ «قرار وزاري» صادر يوم 16 سبتمبر (ايلول) 1929، كـ «أفضل مكان للاصطياف»، بل انها ذهبت إلى أبعد من ذلك، وصنفته كمدينة فرنسية. وتحكي فصول التاريخ أن سكان المنطقة، المشهود لهم بالشهامة والرجولة، انتفضوا ضد القرار وقاوموا الاستعمار بكل بسالة وتضحية طيلة سنوات الاحتلال، ولم يهدأ لهم بال حتى أشرق فجر الاستقلال.
وبمجرد نيل المغرب حريته سنه 1956، بادر الملك الراحل محمد الخامس إلى زيارة مدينة ايفران، وظل يتردد عليها بين الحين والآخر، متى سنحت له الانشغالات والمهام السياسية.
* جامعة الأخوين
* وبعيدا عن لهيب السياسة وصخبها، فإن إيفران تشتهر أيضا، بالإضافة إلى مكوناتها السياحية وروافدها الطبيعية، بجامعة الأخوين، التي تعتبر ثمرة للتعاون البناء بين المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية، وهي الآن من أشهر الجامعات في البلاد، وتوفر لروادها الطلبة كل وسائل التعليم العالي المتطور، في أفضل الظروف بمنأى عن هدير المدن الكبرى وإغراءاتها.
* صخرة تتحول إلى أسد
* تمثال «أسد ايفران» معلمة مشهورة من معالم المدينة، يتصدر دائما بطاقاتها البريدية ومطبوعاتها السياحية الحاملة لاسمها، وقد أصبح رمزا وعلامة لها. ولا يكتمل برنامج زيارة المدينة، إلا بأخذ صورة تذكارية مع هذا الأسد الوقور حيث يتحلق حوله أطفال العائلات، مبتهجين بوداعته واستسلامه لمداعباتهم له، من دون أن يكشر عن أنيابه، أو يرفع صوته بالزئير، احتجاجا على هذا الشغب الطفولي، الذي يقلق راحته الأبدية، وكأنه تمثال «أبو الهول» في صمته الأزلي.
ومما زاد المسألة غموضا انعدام أي كلمة مكتوبة أسفله أو بجانبه تشير إلى ظروف بنائه في هذه الساحة بالذات.
وهذا ما فسح المجال واسعا أمام تناسل الأقاويل والروايات الشفوية حوله. وهي في غالبيتها لا تستند الى أي أساس أو مصدر مرجعي تاريخي، ويقال إن أسيرا من جنسية ألمانية في الحرب العالمية هو الذي تكفل بنحته مقابل إطلاق سراحه. ومن المرجح ايضا ان يكون صاحب التمثال هو أحد الفرنسيين، وكان يعمل في الرباط، واسمه «هنري جان مورو»، كما تؤكد منشورات صادرة في فرنسا.
ويقال إن الأسد كان في الأصل صخرة في هيئة أسد، بدليل أن الساحة، كانت قديما تحمل اسم صخرة الأسد، قبل عملية النحت، التي قام بها الفرنسي مقابل مائة فرنك، بمساعدة سجينين اثنين أو ثلاثة، لأن العادة جرت في ذلك الوقت أيام الحماية الفرنسية في المغرب، أن يعمل السجناء في ورش المدينة المختلفة، ومن بينهم سجناء أجانب ألمان وايطاليون وبرتغاليون وغيرهم.
وقد قضى النحات الفرنسي المذكور ربع قرن من حياته في المغرب، وأبدع في انجاز عدة أعمال ومنحوتات فنية، أشهرها تمثال الأسد الذي أنجزه في النصف الأول من يوليو (تموز) 1930. ويبلغ طوله سبعة أمتار، وعرضه متر واحد ونصف المتر وعلوه متران اثنان.
* الماء والخضرة
* المؤهلات الطبيعية للمدينة كثيرة ومتنوعة، ومن أبرزها غابات الأرز، والحدائق والمتنزهات التي تحيط بها من كل جوانبها، وتجعل منها مدينة فاتنة وساحرة، ومنتجعها سياحيا مثاليا بكل المقاييس للباحثين عن الراحة وهدوء البال.
والخضرة ليست وحدها هي التي تميز المشهد الطبيعي في ايفران، هناك أيضا الماء المتدفق من المنابع والشلالات والبحيرات، بسبب التساقطات الثلجية التي تغمر المكان كل عام في فصل الشتاء. والكثيرون من الزوار يفضلون زيارة ايفران في هذا الفصل بالذات لمزاولة هوايات التزلج، أو على الأقل في التمتع برؤية الثلوج، وهي تتهاطل على الطرقات والأبنية والأشجار والسطوح. وتكسوها برداء ناصع البياض.
وتستقطب محطة «ميشليفن» البعيدة عن «ايفران» بـ 17 كيلومتراً، أفواجا كثيرة من عشاق التزلج، وسط غابات الأرز، ترتفع عن البحر بحوالي 2000 متر.
* مواقع تستحق الزيارة
* وفي ضواحي المدينة فضاءات أخرى، ومنها «ضاية عوا» وهي عبارة عن بحيرة مائية وسط الأشجار، وتعتبر من الأمكنة المفضلة لدى عامة العائلات والسياح للاصطياف والتنزه، بالإضافة إلى «ضاية إفراح» وهي من أكبر بحيرات الأطلس المتوسط وغالبا ما تكون مغطاة بالثلوج، في منظر أخاذ يسحر الألباب.
وتزخر المنطقة أيضا بالعديد من الوديان التي ينساب فيها الماء رقراقا، ويبعث الحياة والخضرة والخير على الضفاف، ومن أشهرها واد «تزكيت» و«سيدي ميمون» و«عين مرسى».
* نشاطات وهوايات
* وتوفر هذه البحيرات والوديان إمكانية واسعة، أمام محبي الصيد لممارسة هواياتهم، في أفضل الظروف لوجود أنواع كثيرة من الأسماك المتنوعة. وتبقى منابع «فيطيل» و(تسمى أيضا «شلالات العذراء»)، و«راس الماء» وشلالات «زاويات واد ايفران» من أجمل الأماكن التي يقبل عليها المصطافون بكثرة للتنزه، نظرا لما تتيحه أمامهم من فرص التنزه والراحة.
* البنية السياحية التحتية
* وأمام تزايد إقبال السياح والزوار على إيفران فإن الرسم البياني لوضعية القطاع السياحي في المنطقة يعرف نموا متواصلا، خاصة بعد تنظيم سلسلة من التظاهرات التي استهدفت الترويج للمنتوج السياحي، بكل أنواعه وأصنافه، داخل المغرب وخارجه.
لقد حبا الله هذه المنطقة بكنز طبيعي، يتجلى بالخصوص في الغطاء الغابوي والنباتي الذي يمتد فوق مساحة تشكل تقريبا ثلث مساحتها، إضافة إلى ما تتوفر عليه من تنوع ثقافي، وطابع معماري محلي متميز، وموقع استراتيجي قريب من أهم المطارات الدولية.
* موقع ايفران
* وإذا كانت «كل الطرق تؤدي إلى روما» كما يقال، فإن هذا التعبير الشائع ينطبق تماما على ايفران، إذ توجد وسط المغرب، في مكان يجعل من شد الرحال إليها مهمة يسيرة، لا تستنزف الكثير من الوقت، سواء كان القدوم إليها من الرباط أو الدار البيضاء أو مراكش أو غيرها.
إلا أن أقرب مدينة إليها هي فاس التي لا تبعد عنها سوى بستين كيلومترا، وكذلك الحال بالنسبة لمدينة مكناس، بنفس المسافة تقريبا. وعلى امتداد النظر، طيلة السفر عبر الطريق البرية، تتراءى للعين تضاريس طبيعية، ولوحات حية، بألوان زاهية، دافقة، ومتنوعة.
ونسبة للاقبال الشديد الذي تشهده ايفران فإن الطاقة الإيوائية المصنفة عرفت ارتفاعا ملحوظا خلال السنوات الأخيرة، ويوجد فيها 13 فندقا، بينما وصل عدد المؤسسات غير المصنفة 11 وحدة، ويجري الآن بناء عدد من الفنادق، علما أن هناك نوعا آخر من الإقامات السكنية ومراكز الاصطياف التابعة لمؤسسات الأعمال الاجتماعية، لمختلف الهيئات العمومية وشبه العمومية والخاصة.
وتنتشر المطاعم السياحية، بمختلف أصناف وجباتها الغذائية، في كل أنحاء المدينة، وكذلك داخل الفنادق أيضا.
إن الذروة تبلغ أقصى درجاتها، في فصل الصيف، وبالضبط في شهري يوليو(تموز) وأغسطس (اب)، أما خلال فصل الشتاء، فإن شهري ديسمبر(كانون الاول) ويناير(كانون الثاني) اللذين يتميزان بسقوط الثلوج، يشكلان الفترة الأنسب للزيارة بالنسبة للكثيرين من الزوار والسياح، ليتوزع الآخرون على بقية شهور السنة وفق الأذواق والأمزجة والأوقات المناسبة لعطلهم.
* فردوس الرياضيين
* وفي السنين الأخيرة تحولت ايفران، إلى مركز للتداريب الرياضية لممارسي ألعاب القوى بالخصوص، ويسميها بعض المعلقين في الصحافة الرياضية الدولية، بأنها «فردوس الرياضيين» يأتون إليها من فرنسا، وايطاليا، ومن المغرب بالطبع، لمزاولة نشاطاتهم الرياضية، بعيدا عن الأنظار، من دون أن تضايقهم الأضواء، أو يطاردهم المعجبون بحثا عن توقيع أو أتوغراف، أو التقاط صور للذكرى.
* نجوم في ايفران
* ولقد أصبح من المألوف جدا، بعد خالد السكاح، وسعيد عويطة، وصلاح حيسو، ونوال المتوكل ونزهة بيدوان، الأسماء اللامعة بالأمس في مضمار ألعاب القوى، أن يتردد اليوم البطل الأولمبي المغربي هشام الكروج باستمرار على ايفران، ليس للسياحة، ولكن لبذل المزيد من العرق في التمارين لاكتساب المزيد من الميداليات الذهبية والألعاب الدولية.
يتبع